إن إساءة استعمال المواد المخدرات هي واحدة من أكثر المشاكل الصحية العامة انتشارا في البلاد، ومن أخطر الأمراض التى تصيب البشر ، وفي الواقع، أعلنت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها مؤخرا أن مسكنات الألم الأفيونية ومشكلة الهيروين وصفة طبية هي وباء وطني واجتماعي بحاجة الى دراسة وبحث للقضاء عليه، وكما أثبتت الدراسات العلمية في هذا المجال فإن الإدمان مرض عصبي أو دماغى يرتبط ارتباطا وثيقا بعلم الأعصاب، فتابعونا من خلال هذا المقال لنتحدث عن الإدمان من وجهة نظر علماء الأعصاب والطب الدماغي.
لماذا لا يعتبر الإدمان مرض طبي عادي؟
والجدير بالذكر في هذا الإطار فإنه منذ ان بدأ تاريخ الطب الحديث، لم يكن الإدمان أبدا مرضا طبيا، وقد أجمع العلماء أن الإدمان يمكن أن ينضم إلى علم الأعصاب، لأنه مرض في الدماغ ويمس الأعصاب والخلايا الدماغية أكثر من أي شيء آخر، ولأهمية هذا الموضوع ولأنه دون التشخيص المناسب للمرض لا يمكن أن يكون هناك علاج مناسب، قامت العديد من البحوث والدراسات في هذا المجال، ومن خلال السطور القليلة القادمة نستعرض عددا من هذه التجارب التى تتعرف على تأثير المواد المخدرة على خلايا الدماغ العصبية.
تعريف الإدمان
إن تعريف العادي المتواجد في الكتاب المدرسي وفي مواقع شبكة الانترنت أيضا هو أن الإدمان يعد حالة خاصة تتميز بالتورط القهري والسلطة القهرية على الإنسان، غير أن العقاقير التى تؤدى الى الإدمان مثل (النيكوتين والكوكايين والماريجوانا والكحول والهيروين وأوكسيكودون وما إلى ذلك) هى مواد الفيزيائية لها تأثير مادي على العديد من الأنظمة في جسم الانسان وخاصة مراكز التحكم في الدماغ. وأكدت الدراسات أنه قد تغيرت وظيفة بعض خلايا دماغ المدمن نتيجة لتعاطي المخدرات، ومع تعاطي المخدرات بشكل متكرر، تتغير وظيفة الدماغ لدرجة أن سلوكيات المدمن جميعها تتغير بشكل ملحوظ. لذلك فإن المدمن ليس “منحرفا أخلاقيا” ولكنه يعاني من مرض في الدماغ ويحتاج إلى التعاطف والرحمة وتقديم العلاج الطبي المناسب له.
ماذا يعني أن الإدمان مرض دماغي؟
ما هي الأدلة العلمية التي تدعم هذه الفكرة؟ كيف تخطف المخدرات الدماغ وتغيير السلوك؟ .. للاجابة على هذه الاسئلة و لبدء هذه المناقشة دعونا نبدأ من أسفل إلى أعلى. اولا ما هو الدماغ؟
قبل أن نتمكن من فهم كيفية تأثير المخدرات على الدماغ أو السيطرة على وظائف الدماغ، من المهم أن نفهم ما هو الدماغ أولا.
أولاً، ما هو الدماغ وما وظيفته الحقيقية ؟
نعلم جميعا أن جسدنا يتكون من عدد من الأعضاء: القلب والرئتين والأمعاء وغيرها، وهذه الأجهزة هي المسؤولة عن القيام بوظائف مختلفة تبقينا على قيد الحياة.
كما أن الرئتين هي المسؤولة عن امتصاص الأكسجين وإخراج على ثاني أكسيد الكربون، والقلب هو المسؤول عن نقل الدم وتوزيعه على الجسم، مع العلم ان وظائف الدماغ تعمل على تنظيم كل نظام في الجسم، وهى التى تعطى الاوامر للجسم كله للقيام بالمهام والوظائف الرئيسية له.
لقد علمنا منذ أن كنا صغارا أن الدماغ هو مركز التحكم في الجسم، ومن خلال مركز التحكم هذا يتم السيطر على كيفية عمل أعضائنا كلها (التنفس ومعدل ضربات القلب وحركة العضلات، وما إلى ذلك).
مع ذلك، فإن الدماغ يفعل أكثر من مجرد تنظيم عمل أجهزة الجسم الاخرى. إن الدماغ يتحكم في سلوكنا وعواطفنا ايضا، ويحاول علم الأعصاب حتى الآن رصد طريقة عمل الدماغ ووظائفه كلها.
النقطة الاساسية هنا هي أن الدماغ هو المسؤول في نهاية المطاف عن سلوكنا، وهناك أدلة كثيرة على ذلك، ولكن كيف يتحكم الدماغ في سلوكنا؟
كيف يعمل الدماغ؟
كما قلنا، الدماغ هو جهاز مثل اى جهاز آخر في الجسم، يتكون من عدد من الخلايا، وكما أن خلايا القلب هي المسؤولة عن وظيفة القلب وخلايا الرئة وظيفة الرئة، فإن خلايا العقل هي المسؤولة عن وظيفة الدماغ.
هناك العديد من أنواع خلايا الدماغ، والخلايا الاساسية المتواجدة في الدماغ هى الخلايا العصبية. حيث أن الدماغ البشري يحتوي على حوالي 86 مليار خلية عصبية والوظيفة الأساسية للخلايا العصبية هي إرسال إشارة كهروكيميائية إلى الخلايا الأخرى.
تأثير المواد المخدرة على الخلايا العصبية في الدماغ
في الواقع فإن الخلايا العصبية قادرة على التواصل مع مئات أو حتى الآلاف من الخلايا العصبية المختلفة.
تأتى المواد المخدرة أو الكحوليات لتصيب منطقة الدماغ والخلايا العصبية بوجه خاص ، وتعمل على إجبار الدماغ على إنتاج الدوبامين العصبي، وقد أجريت العديد من الدراسات و التجارب السلوكية لتحليل آثار المخدرات على دماغ القوارض والحيوانات الأخرى لمعرفة تأثيرها على الدماغ. بعد إجراء التجربة تم قتل القوارض ونزع الدماغ، ويتم تشريح مناطق الدماغ بشكل دقيق ومحدد، ومن هنا تمكن الخبراء من استخدام أنسجة المخ وتحليلها عقب تشريحها.
وقد أثبتت هذه التجربة أن أحد أهم التغيرات الجزيئية التي تمكن العلماء من اكتشافها هي التعبير الجيني. باختصار، قد قامت هذه المواد المخدرة بعمل عدة تنشيطات للخلايا الدماغية وقامت بالعمل على تغيير بعض وظائفها ايضا.
بناء على ذلك ففي الواقع يجب أن نؤمن أن تطور الإدمان في دماغ المدمن يؤثر على خلاياها بشكل مباشر، ويؤدى الى زيادة نشاط خلايا كوبر مما يسبب تغيير الكثير من سلوكيات المدمن ومشاعره منها انه يشعر ببعض مشاعر الانزعاج (التعاسة أو عدم الرضا) وانعدام الرغبة في تناول الطعام والرغبة المستمرة في تناول الدواء او المخدر مرة أخرى من أجل تخفيف هذه المشاعر السلبية . هذه ليست سوى أمثلة قليلة على التغيرات الجزيئية الملموسة التي تحدث في الدماغ نتيجة لتعاطي المخدرات المتكرر.
وبناء على ما سبق فإن الإدمان يتسبب في تغيير وظائف الخلايا الدماغية، وبناء على ذلك التغير في وظائف الخلايا الدماغية، يتغير سلوك الفرد كله ويتغير تأثير خلايا الدماغ على اعضاء جسم الانسان كلها. ويكون هذا التأثير تأثير سلبى الى حد كبير، وذلك لأن الوظائف الطبيعية لاعضاء جسم الانسان تتغير ويصبح عمل هذه الأعضاء غير منتظم وغير طبيعي، ومن هنا يتعرض المدمن الى الإصابة بعدد من الأمراض العضوية والجسدية مثل أمراض الجهاز الهضمى وأمراض القلب وأمراض الجهاز العصبي، حيث يصاب الإنسان المدمن بعسر في الهضم وصعوبة في البلع، ذلك فضلا عن انعدام الشهية وعدم الرغبة في تناول الطعام الصحى السليم، ويصاب المدمن أيضا بأمراض القلب ومنها التعرض إلى عدم إنتظام في ضربات القلب ولذلك فهو من الممكن ان يتعرض الى الإصابة بسكتة قلبية أو دماغية في أي وقت من الأوقات.
ذلك فضلا عن التغيرات النفسية والعصبية التى يتعرض لها المدمن، ومنها الاكتئاب الدائم والشعور بالقلق المزمن والتوتر العصبي الذي يشعر به مريض الإدمان.